تحقيق وحوار: ميرا البعاصيري
ريشتُها تروي لنا حكاية، تتنقّل بين ألوان المشاعر، تتلاقى الخطوط وتمتزج الألوان فيسرحُ مُتأمِّلها في عالمٍ آخر ويعود إلى عالمنا وعلى ثغره إبتسامة. ريشةٌ حطّمت القيود، بالأبيض محتْ نظرات الاستهزاء، وبالأزرق رسمت أحلامها. ترسم وكأنّ اللوحةَ بحر، تشكي له همّها فيستقبله بموجٍ من الخطوط والألوان، وينثر رذاذاً من الراحة يغطي وجهها. تبحث عن الأمل حتى في أحلك المواقف. فما بعد العاصفة إلا قوس قزح!
عن الفنّانة التشكيلية اللبنانية باسكال مسعود أتحدّث. فنّانة بكل المقاييس. فالفنان ليس فقط من يمتلك الموهبة بل من يستخدمها لصنع تغييرٍ من شأنه مساعدة غيره.وهذا تماماً ما تقوم به الفنانة باسكال.
باسكال مسعود هي عضو في الهيئة الإدارية لنقابة الفنانين التشكيليين اللبنانيين، وأحد مؤسسي ملتقى الألوان الفني وعضو في هيئته الإدارية.
شاركت الفنانة باسكال في العديد من المعارض المحليّة اللبنانية والعربية والعالمية، وهي عضو في جمعيّة الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت. في رصيدها معرضان فرديان، الأول بعنوان”Beirut found but missed”، والثاني بعنوان “inner selfie”. إضافةً إلى ذلك، هي خبيرة في ترميم اللوحات وخاصة الأيقونات القديمة.
وفي حوار خاص مع الفنانة باسكال مسعود تعرّفتُ عليها أكثر وطرحتُ عليها بعض الأسئلة.
1_ عرفتُ أنّ حضرتكِ ترسمين منذ المرحلة الابتدائية. أخبرينا عن أول مرة زرتِ فيها معرضاً لللوحات، كم كان عمرك؟ وكم كان لهذه الزيارة أثر على باسكال الفنانة؟كنتُ في الثانية عشرة من عمري عندما زرتُ ولأول مرة معرضاً لللوحات. ذهبتُ برفقة والدي آنذاك إلى معرضٍ في أنطلياس تحت كنيسة مار الياس. ذهبتُ في طفولتي إلى عدّة معارض لكن هذا المعرض بالذات أذكره ولا أعلم لماذا! أذكر أنّه في ذلك اليوم لفتتني لوحة ل “بول غيراغوسيان”_ وقد كان على قيد الحياة في ذلك الوقت لكنني لم ألتقِ به قط. في تلك الفترة كنتُ أرسم وأرسم وأطوّر نفسي بنفسي. وشاءت الأقدار أن أقابل أولاد بول غيراغوسيان.
2_ ما هو الرّسم بالنسبة ل باسكال؟
الرّسم لي مُتنفَّس، عالمٌ خاصٌ بي أعبّر من خلاله عن كل شيء وعن كل ما يزعجني. إضافةً إلى كونه توثيق للحالة والأحداث التي تدور من حولنا.
3_ ما هي الصعوبات التي واجهتِها وصنعتْ ما أنتِ عليه اليوم؟
طبعاً واجهتُ صعوبات.
كان حلمي أن أحصل على شهادة في الفن التشكيلي. كنتُ دائماً أشعر أنّه لو مهما طوّر الشخص من نفسه، يبقى هناك ما ينقصه، يبقى هناك ما يسكن خانة المجهول، هذا المجهول الذي أردتُ معرفته. كان قراراً صعباً فيه الكثير من التحديات لكنّي إستجمعتُ قواي وكسرتُ كل قيود المجتمع ( كيف عم تتركي بيتك لتتعلمي؟ لح تلحقي؟) وتسجّلتُ بالجامعة ونلتُ الماجستير في الفنون التشكيلية في 2012.
4_ نلاحظ أنّ الضوء يشغل حيِّزاً في كل لوحة من لوحاتك. إلامَ يرمز هذا الضوء؟
الضوء هو الأمل والسعادة. رغم كل الصعوبات التي نواجهها يبقى هناك بصيص أمل في حياتنا.
5 _ ما هو واقع الفنّ التشكيلي اليوم؟
الفنّ التشكيلي في لبنان عظيم. المعارض في لبنان مزدهرة، الفردية منها والجماعية، خاصة هذه الفترة حيث رجعنا لنشاطنا وحياتنا الطبيعية والتجمّعات. لكن لا أخفي عنكم أنّ مصاعب الحياة تحول دون أن يركّز الفنان أكثر على فنه. إضافةً إلى أنّ الاهتمام بالفنون لدينا يتم بطريقة جداً سطحيّة. نحن نفتقر للٱهتمامات الفعلية. فليس هناك من يؤمِّن لنا القدرة على بيع لوحاتنا ولا من يرعى الفنّ فيشجّعه ويستثمر فيه. الفنان منّا يحاول النهوض بنفسه وبقدراته، ويسوّق التي لنفسه على قدر استطاعته. هذا واقعنا.
6_ بقدر ما هناك أناسٌ كُثر تهتم وتقدّر الفنّ، يبقى هناك من ينظر للفنّ نظرة تهميشية.
أ_ بالتأكيد قابلتِ هذه النوعية من الأشخاص في حياتك خاصة في بداية مشواركِ. كيف كنتِ تتصرّفين وما كانت ردة فعلك تجاه هؤلاء؟
كثيرون يهمِّشون الفن حتى أقرب الناس إليّ، فكانوا يقابلوني بسخرية واستهزاء. كل ذلك لم يؤثر بي، فقد وضعتُ حلمي نُصب عينيّ ولم ألتفت للوراء. كسرتُ كل القيود في معرضي الثاني ” inner selfie ” . نحن نكسر القيود من ذاتنا نحو الخارج، نتخلّص من العواقب والقيود الموجودة داخلنا أولاً ثم نتأمّل من حولنا. عندها فقط نستطيع أن ننفتح على غيرنا وغيرنا ينفتح علينا.
ما قمتُ به جعل الجميع يرضخون للواقع ويقدِّرون ما أقوم به، خاصةً بعدما رأوا التطور الذي وصلتُ له وأهميّة اللوحة الفنيّة خاصتي في الوسط الفني اللبناني.
ب_ كيف نساعد الشباب الموهوبين والذين لا يزالون في بداية الطريق في أن تُبصر إبداعاتهم النور فلا يكونون ضحايا قوقعة التهميش؟
قد باشرنا بالاهتمام بالشباب الجدد في هذا الحقل إن كان على صعيد ملتقى الألوان الفني أو على صعيدي شخصياً. أنا أعلّم التلاميذ من كل الأعمار قواعد الرسم وأضعهم على الطريق الصحيح. وأنا أحضّر التلاميذ الذين يسعون للتخصص بالهندسة المعمارية والهندسة التجميلية والهندسة الداخلية ليتم قبولهم بأهم الجامعات. وأنا أفتخر أنّني أثّرت ولو قليلاً في محيطي، فالجميع تعلّم الرسم وانخرط بالفنّ. أشعر أنني صنعتُ فرقاً. لكن بالطبع التغيير على الصعيد الشخصي ليس كمثله على صعيد الوطن. على أمل أن تنتشر الغيرة بين الجميع، الغيرة البنّاءة التي تجعلهم يقومون بما أقوم به فيصبح الناس جميعاً يعرفون الرسم كما وينجذبون للفنون بكل أنواعها.
أما على صعيد ملتقى الألوان الفني، فنحن قمنا بعدّة معارض يشارك فيها تلاميذ الجامعات فنأخذ بيدهم ليتمكنوا من الدخول بهذا المجال(مجال المعارض) ولتُبصر لوحاتهم النور فيراها أكبر عدد ممكن من الناس ويتعرّفون عليهم شخصياً. بالإضافة إلى ذلك، نحن نجمعهم بنفس المعرض مع فنانين مُخضرمين كبار صارت لوحاتهم تُعرّف عن نفسها. هذا التواصل يكون جميل جداً بين فئة عمرية كبيرة وفئة عمرية صغيرة، ويمنح التلاميذ الذين يخطون أولى خطواتهم في هذا الدرب مجالاً لينطلقوا إنطلاقة جيّدة.
7_ ما هو هدف باسكال؟ ما هو الشيء الذي تتمناه باسكال وتسعى لتحقيقه؟
هدفي الوصول لأكبر عدد من الناس، أن أعرف أكبر عدد منهم فيعرفونني بدورهم، وأن تكون لي بصمة مهمة في حياتي الشخصية وعائلتي كبداية وفي الحياة الفنيّة ثانياً. أريد أن أُوصل النقابة إلى نقطة معيّنة أكثر أهميّة من ما هي عليه الآن، وأن نجمع بقدر ما نستطيع في الصندوق ونتمكن من تنظيم كل أمور النقابة مع النقيب. كما آمل أن نصل لرُقي معيّن في حياتنا الفنية، أن تظهر الفنون أكثر في لبنان، أن تكون لها قيمة أكبر، وأن يتم اختيار الفنانين للسفر والظهور خارج لبنان وفقاً لمعايير الكفاءة وليس المحسوبيات والنفوذ والمال، فيتم اختيار الكفوئين حتى لو كانوا عشرة ليسافروا وتتم الإضاءة على أعمالهم.
ختمت الفنانة باسكال حديثها قائلة:” شكراً لموقع بكرا أحلى على تناوله هذه المواضيع واهتمامه بالفنّ والفنانين.”
موقع بكرا أحلى