أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / مشاهد مضيئة من بيروت للفنانة يسرى الحبحاب
التشكيلية يسرى حبحاب

مشاهد مضيئة من بيروت للفنانة يسرى الحبحاب

بقلم: د. ابتسام ناجي السعدي / العراق

عندما نقول “لبنان”، يعني ذلك شجرة الأرز، وطائر الفينيق، وآثار بعلبك، وحضارةً عمرها آلاف السنين. من هذه الأرض المعطاء، ومن هذا البلد العريق، الصغير مساحةً والكبير علمًا وثقافةً وفنًّا وحبًّا للسلام، حَلَّت الفنانة يسرى الحبحاب على بغداد – دار السلام، وهي تحمل رؤىً وأفكارًا تنطق بالأمل والسلام، في معرضها الشخصي في بغداد تحت عنوان: “منارة بيروت”.

في عالم الفن، كما في الحياة، هناك انشغالاتٌ وانتباهاتٌ وحالاتٌ نقف أمامها لنسائلها، ونرهن الذاكرة عندها. وهذا الخزين من الانتباه المرئي انعكس في أعمال الفنانة يسرى، وانشغالها بقضايا عصرها وبيئتها، وبثّ الروح داخل مشاهدها التشكيلية، من خلال الألوان الزاهية والمواضيع المتنوعة، التي تعكس وجهًا آخر للواقع. ونحن نتأمّل في كلّ لوحة من لوحات المعرض، نلحظ تفرّد رؤيتها وطريقة عرضها، والسمات التي ميّزت أعمالها عن سواها، وأبرزها التنوّع الواضح في المواضيع، والصياغات، والأساليب الفنية والتقنية، إضافة إلى اهتمامها بالتفاصيل الشكلية البسيطة، والملامح الإنسانية والعاطفية، وكلّ ما يثير الشجن والحنين إلى الماضي، كما في مشاهد القرى، أو ما يُعرف بالضيعة اللبنانية، ومنارة بيروت، والأبواب القديمة.
(شكل 1، 2)


شكل1

التشكيلية يسرى حبحاب
شكل 2

التشكيلية يسرى حبحاب


فاللوحة التشكيلية، في نظر الفنانة، تنتمي إلى الحياة، وترافقها بصدق في كلّ لحظاتها. وعندما تصوّر فضاءات الضيعة اللبنانية، فإنها لا تنقل مشهدًا بعينه، بل تجسّد علاقة ذاتية، أسطورية – ميثولوجية، خاصة بينها وبين المكان الذي رصدته، ليذوب في فضائها وذاكرتها وتراث بلدها. وكأنها تسافر ذهنيًا في أحضان البيئة والطبيعة، التي تركت بصمتها الواضحة على سطح اللوحة.
(شكل 3، 4)


شكل 3

التشكيلية يسرى حبحاب
شكل 4

التشكيلية يسرى حبحاب


تجدر الإشارة إلى أن أغلب النصوص البصرية المعروضة، تحاور الواقع وفي الوقت نفسه ترصده، إذ نجد مواضيع تتناول الطبيعة، والزهور، والحقول، والأمطار، إلى جانب مواضيع ذات طابع اجتماعي تعيشها الفنانة وتلامس واقعها، وكذلك لوحات (البورتريه)، فضلًا عن موضوعات تتأمّل التراث وتتفاعل معه بأساليب فنية معاصرة.

تؤسس الفنانة يسرى أعمالها على واقع ملموس، تُعيد تشكيله وفق مفاهيم فنية توثّق رؤيتها الخاصة، مستندة إلى ذاكرة جماعية تستلهم فضاءها الإبداعي من الحدائق، والغابات، والزهور، والحجارة، والشوارع، والعمارة… وبهذا تنتمي تجربتها الفنية إلى الحياة في حركتها وتحوّلاتها، مُقدِّمة فسيفساء بصرية تجمع بين الأحلام، والانفعالات، والذكريات. فلوحاتها ليست تسجيلًا لمناظر طبيعية فحسب، بل هي بحثٌ عن القيم الجمالية الكامنة خلف المرئي. وهكذا قدّمت مقاربة خاصة للمنظر الطبيعي، مستخدمةً تقنيات المدرسة الانطباعية والواقعية.

كما أولَت الفنانة اهتمامًا خاصًا بالخامة والمواد، فتارةً تنحت التفاصيل من خلال اللون والمنظور، كالحصى والخشب، واستحضار الظلال التي تمنح سطح اللوحة ملمسًا خشنًا تارةً، وناعمًا تارةً أخرى، وتارةً تستخدم تنوّع الملمس الذي تتركه الفرشاة أو السكين، إضافةً إلى عناصر التكوين الأساسية، كالحجم والخط والحركة، وتحديد المساحات، والإشارة إلى اتجاهات المسافات. نلحظ ذلك في رسم الأمطار باستخدام تكنيك السكين، أو محاكاة ملمس القماش (الدانتيل، أو الشيفون)، أو لحاء الخشب، أو أسطح المعادن. وهنا تظهر مهارتها العالية وخبرتها في التعامل مع العناصر التشكيلية، بواقعيةٍ مفرطةٍ تُحدث أثرًا بصريًا مُربكًا أحيانًا.

وعبر قراءة معمّقة لأعمال الفنانة يسرى الحبحاب، نشهد تبنّيها لعدة مدارس فنية حديثة، مثل الواقعية التي تسعى إلى تجسيد الواقع والتعبير عن الحياة، والانطباعية التي تركز على المشهد اللحظي والتأثير الحسي، والتعبيرية التي تمنح الفنان حرية استخدام اللون والشكل، والرمزية بما تحمله من دلالات فكرية وروحية، إلى جانب فنون ما بعد الحداثة، وخاصة الواقعية المفرطة (الهايبر رياليزم)، التي تلتقط الواقع بدقة كاميرا فوتوغرافية، وتستنسخ التفاصيل بشكل يثير الانبهار والتساؤل حول الخط الفاصل بين الواقع والصورة الفنية.
(شكل 5، 6، 7)


شكل5

التشكيلية يسرى حبحاب
شكل6

التشكيلية يسرى حبحاب
شكل7

التشكيلية يسرى حبحاب


ومن خلال اندماج الفنانة يسرى مع ما ترسمه، تضبط خبرتها الفنية لاشعوريًا أثناء بناء أعمالها، فتصل إلى تكوين متكامل من حيث العناصر، وتحقق الانسجام اللوني والخطي والحركي، وتثبت الأشكال في أفضل أوضاعها، عبر ممارسة تلقائية ناتجة عن جهد وعيش طويل داخل لحظة الإبداع ذاتها. ولذا، تظهر أعمالها في غاية البساطة والعذوبة، فتجعل المتلقي يتفاعل معها، لأنها تثير لديه الذكريات والعواطف التي خلّفتها تجاربه الحياتية المختلفة.

شاهد أيضاً

عضو ملتقى الألوان التشكيلية لنا حايك

مشاركة مميزة للفنانة التشكيلية لنا حايك في معرض Behind the Seen تنظيم WISP

فخورون بمشاركة عضو ملتقى الألوان الفنّانة لنا حايك في المعرض الجماعي Behind the Seen، تنظيم …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *