انسلخَ من دَعَةِ الدِّفء
بين الجُدرانِ الأربعة،
وتوجَّه إلى الجبلِ،
وكأنَّه يبحثُ عن دفءٍ
آخرَ في غمرةِ البردِ،
وبردُ الجِبال منه
ترتعدُ الصُّخور..
لكن كان له مذهبُهُ
الخاصُّ مع الطَّبيعة؛
لا ينفكُّ عن الذَّهاب
إليها في كلِّ الفصول..
فهو يؤمنُ أنَّ الحبَّ
أصيلٌ لا يُدنيه دفءٌ
ولا يُقصيه بردٌ،
بل في البردِ اختبارٌ
لثباتِهِ ونشوةٌ..
يصل إلى حيث يأمرُهُ
قلبُهُ أن يتوقَّف..
العِبرةُ ليست في
قَطعِ كلِّ المسافة،
بل أن تَقتَنص اللَّحظة،
فلربَّما كان في داخلها
جوهرُ الوصول..
وفي زمنٍ أقصرُ
من التفاتةِ عينٍ،
لفَّه الضَّباب الأزرقُ،
وكأنَّ الغيمَ أثقلتهُ
تسابيحُ السَّماء،
فهبطَ بخشوعٍ محتفظاً
بلونها بكلِّ سموّ..
الجهاتُ تلاشت،
المكانُ ضاعت تفاصيلُهُ..
الجبلُ لم يعدْ يبدو
سوى تلك البقعةِ
المُنْبسطة حيث وقَفَ..
عُزِلَ عن الدُّنيا،
ارتجفَ قلبُهُ من دفءِ
الضَّباب وهمسه،
فلشدَّة السُّكون،
استطاع أن يسمعْ..
أهو رفيفُ أجنحة،
أم سلامُ هواءٍ عابرٍ،
أم ذاك القابعُ في
أيسرِهِ يخفقُ دون
أن يشعرَ بصوتِهِ؟
أيقن في تلك اللَّحظة أنَّ
قدماه لا تدوسانِ الأرضَ،
وأنَّ الضَّباب اختزلَ المسافةَ
ليشعرَ بقربِ السَّماء..
تجرَّد من كلِّ شيء،
حتَّى من أوراق الكلامِ..
خفق قلبُهُ، صلَّى..
رفع أغصانَ كيانِهِ
ليملأَهُ الضَّبابُ بما أتى
محمَّلاً من السَّماء..
انقشعَ كلُّ شيءٍ،
تلاشى الضَّباب
كقطعةِ حلوى ذابت
في كأسِ الضَّوء..
وعاد هو دون أن يبرح..
إن باح، تلعثم..
وإن صمتَ فلن
يعودَ الضَّباب..
شيءٌ رهَنَ القلبَ
للحنٍ يجعلُهُ يُنصتُ
وإن لم يسمعْ..
هو الضَّباب بحَّةٌ
تسمعُ فيها ما لا ترى..
هو الضَّباب لقاءٌ
تتذوَّقُ فيه
جمالَ الاتِّحادِ
في ذروةِ وحدتِكَ..
الوسومالكاتبة خديجة البعلبكي
شاهد أيضاً
بالفيديو | “جيابن نصر وتراب” للشاعر محمد علوش
نور الشمس محتار من وين جابوا ملامحن؟ وكتار قالوا كتار ملوّا الدني أعياد هني لي …