لم أخترْ أن أكتبَ يوماً عن بيروت.
لكنَّ كلَّ الزّهر الّذي داعب قصائدي كان دوماً بلونِ فساتينها الشّادية، برائحة لياليها الصّاخبة وشوارعها المتعانقة.
كنّا نعدُّ الغيم، نرسمُ به لوحاتنا على الوجوه الزّرقاء ثمّ نخطُّ عليه نوافذَنا نحو السّماء ؛
كنّا نتقاسمُ الورد، الوردُ الأحمرُ لأختي ولي الأبيض والأصفر، ثم نكنسُ الغبارَ عن ورق خريفٍ كسول -نسيَت الرّيحُ أن تصطحبَه في حفلاتها الهائجة- كي نعدَّ للدُّمى مملكتها ونلوّن شفاهها بألواح الشوكولاتة السّوداء؛
كنا نرقص على العُشب، نرقص، نرقص ..
كلُّ هذا قبل أن تنجبَ البلادُ كلَّ هذه الجدران، البلاد الّتي طردتني، تماماً كما يطردُ الوقواقُ صغارَه قبل أن تلجَ الحياة.
الآن لا أملكُ سوى أن ألوّح من بعيد، لأصابعي الّتي على مقابض الأبواب القديمة ذبلت في انتظار الرّبيع، للأحلام التي يقتلونها، دمعةً دمعة..
هكذا أنا في حياةٍ لا أعيشُها، ألتقطُ صوراً لقهوةٍ لا أشربها، أغرّدُ لسكون ليلٍ لا أنامُه، وأهزأ دوماً بالّذين يختبئون من المطر ..
هكذا أنا، بعاطفتي وخساراتي، برقّتي ورهافة شعوري، بتردُّدي وانكساراتي، لا زلتُ أساومُ الدّربَ الطّويل وأبعثرُ الأيّامَ في البحث عن فوزٍ وحيد،
إلّا أنّني في كلّ مرّة، أنهزم.
الوسومالكاتبة هبة علاء الدين
شاهد أيضاً
بالفيديو | “جيابن نصر وتراب” للشاعر محمد علوش
نور الشمس محتار من وين جابوا ملامحن؟ وكتار قالوا كتار ملوّا الدني أعياد هني لي …