لم يكن مساء الأحد في المكتبة العامة في الهرمل كغيره من أمسيات توقيع الكتب؛ فقد تحوّل حفل إطلاق رواية «ثالث ثلاثة» للكاتب الدكتور أشرف المسمار إلى مساحة غنية بالتأمل والسجال الفكري، حيث امتزج الأدب بالفكر، والحكاية بالسؤال الوجودي.
قدّمت الأمسية الشاعرة إسراء سلهب، فأدارتها بحضورها العذب، بينما قدّم الدكتور كميل حمادة قراءة نقدية للرواية، مُضيئاً على عمقها الإنساني وإشكالياتها الجريئة. أعقبه كلمة الأديبة ناريمان علوش، مديرة دار النشر، التي نوّهت بأهمية هذه الرواية في المشهد الأدبي المعاصر، وصولاً إلى كلمة الكاتب نفسه، حيث اختتم اللقاء بكلمات حملت صدق التجربة ووجع الأسئلة.
الرواية تدور حول «يم»، الشخصية المحورية التي تتصدّى بعناد وجودي لصراعات متشابكة حول الهوية والجندر والانتماء. هي امرأة من الشرق، حاولت أن تتقمص أدوار الرجولة وسط مجتمع ذكوري قاسٍ، فوجدت نفسها ضحية حلم هشّ عن الحب، وصراع داخلي بين ما تريد وما يفرضه الواقع.
«يم» لم تهاجر إلى ألمانيا هرباً من الجغرافيا فقط، بل كانت هجرتها بحثاً عن ذاتها، عن كيان ضائع بين أنوثة مهدورة ورجولة مفروضة. رحلة مؤلمة تنتهي بنهاية مأساوية، تعكس فشلها في التأقلم مع مجتمعين لم يحتوياها: الأول صادر هويتها، والثاني لم يعترف بها.
تطرح الرواية بأسلوب سردي متوازن، قضايا شائكة كالمثلية والتحول الجنسي، بعيداً عن الابتذال أو الاستسهال، بل بلغة علمية-أدبية تحفر في عمق الظاهرة، وتضعها في سياق اجتماعي وفكري مثير للجدل. ويرى الكاتب – في مداخلته – أن انتشار هذه الظواهر مؤخراً لم يكن عفوياً، بل يأتي ضمن مسارات ممنهجة تسعى لتفكيك البنية الأخلاقية للمجتمعات.
وقد اختُتمت الأمسية بجلسة توقيع حافلة، عاد ريعها لدعم جمعية المبرّات الخيرية، حيث اصطف الحضور للحصول على نسخهم الموقّعة، وسط أجواء من التفاعل والنقاشات الجانبية، التي دلّت على أثر الرواية في نفوس القرّاء وعمق انشغالهم بشخصياتها وأسئلتها المفتوحة.